لقد حرص الإسلام في تعاليمه السمحة علي ستر المسلم وحفظ اسراره في بيته وإحساسه بالأمان والإطمئنان مع اسرته وفي خلوته , وجعل لهذا الخلق أحكام وقواعد بعض منها مازال قائم والبعض الآخر تناسيناه .
هذا الخلق هو الاستئذان وهو أدب رفيع يدل علي حياء صاحبه وشهامته وتربيته و عفته ونزاهة نفسه وهو واحد من الآداب الإجتماعية الإسلامية , التي تحافظ علي صيانة حرمات البيوت وعدم هتك أستارها. فمنها ما هو من خارج البيت والآخر من داخله .
فالقسم الأول يتضح من قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا } سورة النور (27) ولا يخفى علي ذي عقل ما في هذه الآية من معنى الإستئناس، الذي هو أبلغ من الاستئذان، إذ هو بالإضافة الى ما فيه من معنى طلب الإذن، فيه معرفة أنس أهل البيت، واستعدادهم لاستقباله، ورضاهم عن دخوله عليهم.
وقال الإمام القرطبي: قال علماؤنا: إنما خص الاستئذان بثلاث لأن الغالب من الكلام إذ كرر ثلاثا سمع وفهم. قال قتادة: أما الأولى، فليسمع الحي، وأما الثانية فليأخذوا حذرهم، وأما الثالثة فإن شاءوا أذنوا وإن شاءوا ردّوا، ولا تقفنّ على باب قوم ردّوكم عن بابهم.
ومن الآداب في الاستئذان إلقاء السلام، وفي هذا السلوك أحاديث نبوية عديدة منها : عن رجل من بني عامر« أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيت فقال: أألج ، فقال صلى الله عليه وسلم لخادمه: اخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان فقل له : قل السلام عليكم أأدخل، فسمعه الرجل فقال : السلام عليكم أأدخل ، فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم فدخل» رواه أبو داود وصححه الألباني
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : « اطلع رجل من جُحرٍ في حُجَر النبي صلى الله عليه وسلم ومع النبي صلى الله عليه وسلم مدري (أي مشط) يحك به رأسه فقال : لو أعلم أنك تنظر لطعنت به في عينك، إنما جُعل الاستئذان من أجل البصر» متفق عليه.
وما جعل الإستئذان إلا من اجل غضّ البصر عن حرمات البيت، قال عمر بن الخطاب "من ملأ عينيه من قاعة بيت فقد فسق" وغض البصر يكاد يستحيل في عصرنا هذا.
واما القسم الثاني يتضح من قوله تعالى : ) يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكمُ الذين ملكتْ أيمانُكم و الذين لم يبلُغوا الحُلُمَ منكم ، ثلاثَ مرَّاتٍ منْ قبل صلاة الفجر ، و حين تضعون ثيابَكم منَ الظهيرة ، و منْ بعد صلاة العِشاء ثَلاثُ عوراتٍ لكم ليس عليكم ولا عليهم جُناحٌ بعدهنَّ طوَّافون عليكم بعضُكم على بعض كذلك يُبيِّنُ اللهُ لكمُ الآيات و اللهُ عليمٌ حكيمٌ ( ... وهذه الآية تعني استئذان من هم داخل البيوت من خدم وأطفال , حيث تنظم التعامل داخل البيت فلا يجوز ان يدخل الخادم علي سيده بدون استئذان أو الأطفال الذين هم في سن التمييز ودون البلوغ ولكثرة ترددهم علي بعضهم حدد رب العزة أوقات معينة يكون فيها الإنسان غير مستعد لإستقبل احد لأنها اوقات نوم وراحة وهي قبل صلاة الفجر ووقت القيلولة وبعد صلاة العشاء , ربما يكون فيها الإنسان في وضع لا يحب أن يراه احد .
أما إذا كان الأطفال في سن البلوغ فيقول الحق تبارك وتعالي : { وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } النور (59( أي ينطبق عليهم الحكم العام دون تحديد لوقت . لذلك ينبغي الاستئذان على جميع المحارم: الأم، والأخت، وغيرهما، روى البيهقي عن عطاء أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم أستأذن على أمي قال "نعم" قال: إني أخدمها. قال "استأذن عليها" فعاوده ثلاثا، قال "أتحب أن تراها عريانة قال: لا. قال "فاستأذن عليها".
هذه اخلاق تعلمنا المحافظة علي خصوصيات الناس , وعدم إيقاع الناس في المفاجآت والإحراج , و ان يكون الواحد منا آمنا في بيته لا يراه احد علي صورة التي لا يحب ان يطلع عليها احد , أو يكون في حديث مع زوجته لا يحب ان يسمعه غيرهما .
فنحن في حاجة إلى هذا الخلق في وقتنا الحاضر , بالرغم من تقدم الحضارة وصناعة البيوت المقفلة والأبواب المحكمة فما زال هناك من يدخل دون سلام أو يغشى غرفة غيره أو يقتحم مجلس دون إعلام واستئذان.
فالكثير منا يدخل علي بيت عمه او خاله أو جاره دون استئذان ويطلق لبصره العنان داخل البيت فيرى ما لا يحب أهل البيت إطلاع أحد عليه , ولا يغض بصره عن ما في البيت من فتيات ونساء يتم اقتحامهن فجأة في غير استعداد لإستقبل احد بحجة أنه ليس غريبا فيقع في الإثم والعياذ بالله
فالواجب أن يعرف الناس أصول الأعراف وفن المعاملات وحسن التصرف واللباقة في البيوت والمجتمعات.
هذه اخلاق لا تخفي علي احد ولكن نذكر بها فالذكرى تنفع المؤمنين
جعلنا الله ممن يستمعون القول فيتبعون احسنه .