غذاء القلوب ومفرج الكروب
قال الله عز وجل (( وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ))
قال الله تعالى (( وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ))أمر الله تعالى بذكره في كل وقت وعلى كل حال كما قال تعالى (( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ))
إخوتي وأخواتي الأعزاء لنعلم أن دخول الشيطان على العبد يكون مع ثلاثة أبواب: باب الشهوة وباب الغفلة، وباب الغضب، وذكر الله يطردالشيطان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ورأيت رجلاً من أمتي قد احتوشته الشياطين فجاء ذكر الله فطرد الشيطان عنه ).
وقال صلى الله عليه وسلم : ( من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هَمّ فرجاً، ومن كَلّ ضيقٍ مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب ).
وفي الحديث الصحيح ( سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتنى وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أبوء لك بنعمتك عليَّ وأبوء بذنبي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ).
وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا يقعد قوم مقعداً يذكرون الله فيه إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده ).
وقال صلى الله عليه وسلم : ( ما جلس قوم مجلساً لا يذكرون الله فيه، ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم تِرَةً، فإن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم ).
وقال صلى الله عليه وسلم : ( من جلس مجلساً فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك إلا كفر الله ما كان في مجلسه ذلك )
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: وفي الذكر أكثر من مائة فائدة: يطرد الشيطان، ويرضي الرحمن عز وجل، ويزيل الهم والغم، ويجلب الفرح والسرور، ويقوى القلب والبدن، وينوَّر الوجه والقلب ويجلب الرزق، ويكسو المهابة والحلاوة، ويورث المحبة والمراقبة، فيعبد الله كأنه يراه ويورث الإنابة إلى الله والقرب منه، وهو قوت القلوب والروح و يحطُ الخطايا ويذهبها ويزيل الوحشة بين العبد وبين ربه تبارك وتعالى وهو غراس الجنة ونور للذاكر في الدنيا، وفي القبر وعلى الصراط، والذكر شجرة تثمر المعارف والأحوال التي شمر إليها السالكون، وهو يعدل عتق الرقاب ونفقة الأموال والحمل على الخير في سبيل الله، وهو رأس الشكر، وأكرم الخلق على الله تعالى من المتقين من لا يزال لسانه رطباً بذكره؛ والذكر شفاء القلب ودواؤه، وهو جلاب للنعم، دفاع للنقم، ويوجب صلاة الله عز وجل وملائكته على الذاكر، ومجالس الذكر رياض الجنة، ومجالس الملائكة. وإدامته تنوب عن التطوعات وتقوم مقامها، وهو من أكبر العون على طاعة الله، وله تأثير عجيب في حصول الأمن، وهو سبب تصديق الرب عزّ وجلّ عبده.
وفي الحديث: ( إذا قال العبد: لا إله إلا الله والله أكبر يقول الله تبارك وتعالى: صدق عبدي، لا إله إلا أنا، وأنا أكبر، وإذا قال لا إله إلا الله وحده، قال صدق عبدي، لا إله إلا أنا وحدى، وإذا قال لا إله إلا الله لا شريك له، قال صدق عبدي لا إله إلا أنا لا شريك لي، وإذا قال لا إله إلا الله له الملك وله الحمد، قال صدق عبدي، لا إله إلا أنا لي الملك ولي الحمد، وإذا قال لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال صدق عبدي لا إله إلا أنا ولا حول ولا قوة إلا بي، قال من رزقهن عند موته لم تمسه النار ).
والذكر نوعان: ذكر أسماء الرب تبارك وتعالى وصفاته والثناء عليه بها وتنزيهه وتقديسه عما لا يليق به تبارك وتعالى وأفضل هذا النوع الثناء عليه بما أثنى به على نفسه وبما أثنى به عليه رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تشبيه ولا تمثيل وهذا النوع ثلاثة أنواع: حمد وثناء ومجد، وقد جمعها الله تعالى في أول الفاتحة ( فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال: أثنى علىّ عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدين، قال: مجدني عبدي ).
إذاً أفضل الذكر ما تواطأ عليه القلب واللسان، والذكر أفضل من الدعاء؛ فالذكر ثناء على الله عز وجل بجميل أوصافه وآلائه وأسمائه.
والدعاء سؤال العبد حاجته، ولهذا كان المستحب في الدعاء أن يبدأ الداعي بحمد الله تعالى والثناء عليه بين يدي حاجته ثم يسأل حاجته كما في حديث فضالة بن عبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يدعو في صلاته لم يحمد الله تعالى ولم يصلّ على النبي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( عَجِلَ هذا ثم دعاه فقال له: إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه عز وجل والثناء عليه، ثم يصلى على النبي ثم يدعو بما شاء).
وهكذا دعاء ذى النون عليه السلام: (( لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ )) ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في دعاء الكرب: (( لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم )).
وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو وهو يقول: اللهمّ إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، فقال: (والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دُعىَ به أجاب، وإذا سُئِلَ به أعطى).
وقراءة القرآن أفضل من الذكر، والذكر أفضل من الدعاء والأذكار المقيدة بمحالّ مخصوصة أفضل من القراءة المطلقة، والقراءة المطلقة أفضل من الأذكار المطلقة.
ولما كانت الصلاة مشتملة على القراءة والذكر والدعاء وهي جامعة لأجزاء العبودية على أتمّ الوجوه كانت أفضل من كلٍّ من القراءة والذكر والدعاء بمفرده لجمعها ذلك كله مع عبودية سائر الأعضاء .
اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا ونور أبصارنا وشفيعاً لنا يوم القيامة.
أدعو الله لي ولكم بالهداية والاستقامة والاستمرار على الطاعة والذكر والدعاء والصلاة