في حكم قضاء تارك الصلاة متعمدا للشيخ فركوس - حفظه الله -
السؤال: امرأة تابت في كبرها، هل عليها أن تصلي ما فاتها من صلاة من بلوغها إلى يوم توبتها؟ أجيبونا مأجورين
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على محمّد وعلى آله وأصحابه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فإنّ الصحيح الراجح من أقوال أهل العلم أنّ تارك الصلاة متعمّدا لا يجب عليه القضاء، وهو مذهب ابن حزم وابن تيمية وابن القيم وغيرهم من أهل التحقيق، لأنّ الأمر بالفعل وجب في زمن مؤقت لا يترتب إلاّ على مصلحة خاصّة بذلك الوقت ترجيحا له من بين سائر الأوقات، لقوله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى المُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً﴾[النساء:103] ولأنّ القضاء -في الأصل- لا يجب بأمر الأداء وإنّما يجب بأمر مجدد وهو ما عليه جمهور الأصوليين، وليس في أمر المتعمد أمر جديد سوى في النوم والنسيان لقوله صلى الله عليه وسلم: "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها"(۱) فلو لم يرد هذا الحديث في وجوب القضاء على النائم والناسي لما وجب، ذلك لأنّ المتعمد إخراجها عن وقتها مفرّط عن صلاته ومضيع لها ومقصر عن أداء واجبه، فلا يعذر، وغير المعذور لا يعطى حكم المعذور، وعليه فلا قضاء عليه لقوله صلى الله عليه وسلم:"إنّه لا تفريط في النوم إنّما التفريط في اليقظة أن تؤخر الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى"(۲)
أمّا ما يحتج به من يقول بالقضاء بقوله صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما في مسألة الحج من قصة المرأة الخثعمية: "فإنّ الله أحق بالوفاء"(۳) وحديث ابن عباس رضي الله عنهما-أيضا- في قصة المرأة التي ماتت وعليها صوم رمضان فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فدين الله أحق بالقضاء"(٤) فلا يصلح للاحتجاج به على المفرط وإنّما محمول على المعذور، فضلا أنّ النذر فيه مطلق ليس محدود الوقت ومثله الحج بخلاف الصلاة فهي عبادة مؤقتة محدودة الطرفين تُعد من أحد أقسام الواجب المقيّد: وهو الواجب الموسع.
قال ابن حزم: "وأمّا من تعمّد ترك الصلاة حتى خرج وقتها، فهذا لا يقدر على قضائها أبدا، فليكثر من فعل الخير وصلاة التطوع، ليثقل ميزانه يوم القيامة وليستغفر الله عزّ وجلّ"(٥)
والله أعلم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلّى الله على محمّـد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
الجزائر في: 24 شعبان 1416هـ
الموافق لـ: 15 جانفي 1996 م