أولاً: التسلُّح بالإيمان المقرون بالعمل الصالح: قال الله تعالى: {من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينّه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}،
وسبب ذلك واضح، فإن المؤمنين بالله الإيمان الصحيح، المثمر للعمل الصالح
المصلح للقلوب والأخلاق والدنيا والآخرة، معهم أصول وأسس يتعاملون بها مع
كلِّ ما يرد عليهم من أنواع المسرَّات والأحزان. فيتلقون النِّعم والمسارَّ
بقبول لها، وشكر عليها، ويستعملونها فيما ينفع، ويتلقَّون المكاره
والمضارَّ والهمَّ والغمَّ بالمقاومة لِما يمكنهم مقاومته وتخفيف ما يمكنهم
تخفيفه، والصبر الجميل لما ليس لهم عنه بد.
ثانياً: النظر فيما يحصل للمسلم من تكفير
الذنوب وتمحيص القلب ورفع الدرجات، إذا أصابته غموم الدنيا وهمومها، فقد
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ
وَلا وَصَبٍ وَلا هَمٍّ وَلا حُزْنٍ وَلا أَذًى وَلا غَمٍّ حَتَّى
الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ)) رواه
البخاري. فليعلم المهموم أن ما يصيبه من الأذى النفسي نتيجة للهمِّ لا
يذهب سدى بل هو مفيد في تكثير حسناته وتكفير سيئاته.
ثالثاً: معرفة حقيقة الدنيا: فإذا علم المؤمن
أن الدنيا فانية، ومتاعها قليل، وما فيها من لذة فهي مكدَّرة ولا تصفو
لأحد، وإن أضحكت قليلاً أبكت طويلاً، وإن أعطت يسيراً منعت كثيراً، والمؤمن
فيها محبوس كما قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: ((الدُّنْيَا سِجْنُ
الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ)) رواه مسلم.
رابعاً: ابتغاء الأسوة بالرسل والصالحين
واتخاذهم مثلاً وقدوة: وهم أشد الناس بلاءً في الدنيا، والمرء يبتلى على
قدر دينه، والله إذا أحب عبداً ابتلاه وقد سأل سعد رضي الله عنه النبي صلى
الله عليه وسلم فقال: ((يا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً؟
قال: الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ
عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْباً اشْتَدَّ بَلاؤُهُ
وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا
يَبْرَحُ الْبَلاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ
مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ)) رواه الترمذي.
خامساً: أن يجعل العبد الآخرةَ همَّه: لكي
يجمع الله له شمله لما رواه أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: ((مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي
قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ،
وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ
عَيْنَيْهِ وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا
إِلا مَا قُدِّرَ لَهُ)) رواه الترمذي.
سادساً: ذكر الموت: لقوله صلى الله عليه
وسلم: ((أكثِروا ذِكرَ هاذِمِ اللَّذَّات ؛ الموت فإنَّه لم يَذكُره أحَدٌ
في ضِيقٍ من العَيشِ إلاَّ وَسَّعَهُ عَليهِ، ولا ذَكَرَهُ في سَعَةٍ إلاَّ
ضَيَّقَها عَليهِ)) رواه البزَّار عن أنس وحسَّنه الألباني.
سابعاً: دعاء الله تعالى: فقد أخبرنا أنس بن
مالك رضي الله عنه عن حال النبيِّ صلى الله عليه وسلم معه بقوله: ((كنت
أخدم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل فكنتُ أسمعه كثيراً يقول:
((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَالْعَجْزِ
وَالْكَسَلِ وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ
الرِّجَالِ)) رواه البخاري.
ثامناً: الصلاة على النبيِّ صلى الله عليه وسلم: وهي من أعظم ما يفرِّج الله به الهموم.
تاسعاً: التوكُّل على الله عز وجل وتفويضُ
الأمر إليه: ولعلم الإنسان أن الله على كلِّ شيء قدير، وأنه المتفرِّد
بالاختيار والتدبير، وأن تدبيرَه لعبده خيرٌ من تدبير العبد لنفسه، وأنه
أعلم بمصلحة العبد من العبد وأقدر على جلبها وتحصيلها منه، وأنصح للعبد من
نفسه وأرحم به منه وأبرُّ.
عاشراً: الاهتمام بعمل اليوم الحاضر، والتوكُّل على الله فيه وفيما سيكون في المستقبل، وعدم الحزن:
لهذا استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من
الهمِّ والحزن، فالحزن على الأمور الماضية التي لا يمكن ردها ولا
استدراكها، والهم الذي يحدث بسبب الخوف من المستقبل، فيكون العبد ابن يومه،
يجمع جِدَّه واجتهاده في إصلاح يومه ووقته الحاضر، فإن جمعَ القلب على ذلك
يوجب تكميل الأعمال، ويتسلَّى به العبد عن الهمِّ والحزن.
الحادي عشر: الإكثارُ من ذكر الله: فإن لذلك
تأثيراً عجيباً في انشراح الصدر وطمأنينته، وزوال همِّه وغمِّه، قال الله
تعالى: {ألا بذكر الله تطمئنُّ القلوب}.
الثاني عشر: اللجوء إلى الصلاة: قال الله تعالى: {واستعينوا بالصبر والصلاة} وعَنْ حُذَيفَةَ قَالَ كانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى. رواه أبو داود.
الثالث عشر: التحدُّث بنعم الله الظاهرة
والباطنة: فكلما طال تأمُّل العبد في نِعم الله الظاهرة والباطنة، الدينية
والدنيوية، رأى أن ربَّه قد أعطاه خيراً كثيراً ودفع عنه شروراً عديدة، ولا
شك أن هذا يدفع الهموم والغموم، ويوجب الفرح والسرور، ومن أنفع الأشياء في
هذا الموضع استعمال ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث
الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلا
تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَلا
تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ)) رواه الترمذي.
الرابع عشر: أن يعلم المهموم والمغموم أن بعد العسر يسراً، وأن بعد الضِّيق فرجاً:
فليُحسن الظنَّ بالله فإنه جاعل له فرجاً
ومخرجاً، وكلما استحكم الضِّيق وازدادت الكُربة قرب الفرج والمخرج. وقد قال
الله تعالى في سورة الشرح: (فإن مع العسر يسراً، إن مع العسر يسراً )،
فذكر عسراً واحداً ويسرين، لأن العسرَ المقترن بأل في الآية الأولى هو نفس
العسر في الآية الثانية، أما اليسر في الآية الثانية فهو يسرٌ آخر غير الذي
في الآية الأولى.
الخامس عشر: استشارة أهل العلم والدين وطلب
النصيحة، فإن نصائحهم وآراءهم من أعظم المثبتات في المصائب. وقد شكا
الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما كانوا يلقَون من تعذيب...
السادس عشر: ومن الأمور النافعة عدم السماح
بتراكم الأعمال والواجبات، والتوقع المستمر والاستعداد النفسي لجميع
الاحتمالات، والانشغال بعمل من الأعمال أو علم من العلوم النافعة، والنظر
إلى الجوانب الإيجابية للأحداث التي يظهر منها بعض ما يُكره، ومعرفة القيمة
الحقيقية للحياة وأنها قصيرة وأنَّ الوقت أغلى من أن يذهب في الهمِّ
والغمِّ.