محاضرة للشيخ د/ راغب السرجانى
بعنوان / فلسطيـــــــــــن مازالت حية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إنها أرض التاريخ المجيد، والواقع السعيد عمَّا قريب بإذن الله.
إن فلسطين ما زالت حية؛ لأننا ما زلنا نرى فيها رجالاً صامدين، لم يبدِّلوا ولم يغيروا، رؤيتهم واضحة، وعزيمتهم قوية، وآمالهم عريضة، ومنهجهم قرآن وسنة، وطريقهم طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفلسطين ما زالت حية؛ لأننا نرى فيها نساء هن أشبه ما يكون بنساء الصحابة، اللاتي اعتدن على رؤية
أبنائهن وأزواجهن وإخوانهن وآبائهن شهداء، فلم يجزعن، ولم ييْئَسن، بل أكملن الطريق بكل حمية، يحركن نفوس الأجيال القادمة لاستكمال مسيرة الإخوة والآباء.
وفلسطين ما زالت حية بأطفالها الصغار الذين علَّموا كبار العالم وشيوخه كيف يكون الصمود والثبات، والذين يدرسون ويتحركون ويروحون ويجيئون - بل
ويلعبون - تحت قصف الطائرات، وضرب المدافع والدبابات.
إن مرور ستين سنة على الاحتلال الصهيوني البغيض لا يجب أبدًا أن يسرِّب اليأس إلى قلوبنا. إننا لا نشك لحظة واحدة في أن اليهود راحلون حتمًا.. إن هذه الأرض المباركة ستظل مباركة إلى يوم القيامة، ولن يدوم الظلم أو يستقر الباطل.
إن النهاية سعيدة بإذن الله..
لكن ما ينبغي أن ندركه أن فلسطين ما هي إلا
اختبار!
إنه اختبار لدرجة الإيمان في قلوبنا.
إن اشتعال قضية فلسطين في قلوبنا أو فتورها لَدلالة على قوة الإيمان في قلوبنا أو ضعفه.
إن الذي يفرط في الأرض المباركة سيفرِّط في أشياء كثيرة أخرى.
والذي ما زال متذكرًا للقضية، عاملاً لنصرتها، ستجده
في نفس الوقت محافظًا على بنود الشريعة الأخرى بكل حرص واهتمام.
إننا نسمع أحيانًا بعض الدعاوى الفارغة من هنا وهناك تنادي بأن نترك هذه القضية جانبًا، ونناقش قضايانا الخاصة الكثيرة في مصر والجزائر والسودان، وفي فرنسا وألمانيا وأمريكا.
إن الذي يفكر بهذه الطريقة ستجده مفرِّطًا في كل قضاياه؛ فالدين لا يتجزأ، والشريعة تفرض على متبعيها أن يأخذوها كاملةً غير منقوصة. وأيُّ تمام وكمال نتوقع إذا فرَّطنا في بقعة من أعظم بقاع الإسلام، وفي ركن من أهم أركان الدين؟!!
إن فلسطين ما زالت حية، ونصرها قريب بإذن الله. إن الإرهاصات المعاصرة جميعها تشير إلى أن لحظة الفرج قد اقتربت.
إن الابتلاء والتمحيص اللذين يشتدان في فلسطين لعلامة واضحة على قرب الخروج من الأزمة، وإن الآلام اليهودية المشاهدة، والهجرة العكسية لليهود من فلسطين إلى أوربا وأمريكا، لخير دليل على أن دولة الظلم في طريقها إلى الانهيار والسقوط.
إن كلامي هذا ليس كلامًا عاطفيًّا محضًا، إنه مؤيَّد بقرآن وسنة، ومؤيد أيضًا بدراسة التاريخ الطويل لهذه البلاد؛ حيث احتُلَّت قبل ذلك مرارًا، وكانت النهاية دومًا سعيدة للمسلمين تعيسة للمجرمين والظالمين، ومؤيَّد كذلك بمشاهدات عديدة في الواقع كما بينَّا، وما لم نذكره من مشاهدات كان أكثر وأكثر.
إن القضية واضحة في اعتقادي ويقيني، والنصر أكاد أراه بعيني، ولكن يبقى التساؤل المهم الذي يجب أن أسأله لنفسي، وأن نسأله جميعًا لنفوسنا: ماذا عملنا لنصرة فلسطين؟!
إن وعد الله لآتٍ، وإن النصر لقادم بإذنه تعالى، لكن المهم ماذا فعلنا لتحقيق هذا الوعد الرباني، ولتقريب هذا النصر الغالي؟!
هذه - أيها الإخوة والأخوات - قضيتنا، وكلٌّ منا يستطيع أن يدلي فيها بدلوه.. فشاركونا بالرأي، وساعدونا بالحركة، وضعوا أيديكم في أيدينا بكلمة أو وجهة نظر، لعلَّ الله عز وجل يرى منَّا صدقًا وإخلاصًا، فنرى ما نشتاق إليه.
وأسأل الله عز وجل أن يعز الإسلام والمسلمين.
د. راغب السرجاني